أمراض الشعر: أنواعها، وأسبابها، وطرق علاجها

يُعد الشعر عنصراً أساسياً في مظهر الإنسان وثقته بنفسه، ويشكل أيضاً دليلاً على صحة الجسم الداخلية ونمط الحياة اليومي. وقد يعاني الإنسان خلال مراحل حياته المختلفة من عدد من أمراض الشعر التي تؤثر على نموه، مظهره، كثافته، أو حتى وجوده من الأساس. لا تقتصر أمراض الشعر على فقدانه فقط، بل تشمل طيفاً واسعاً من الاضطرابات الجلدية، والالتهابات، والتغيرات الهرمونية، والمشكلات المناعية، والتي يمكن أن تكون ذات طابع وراثي أو مكتسب. ونظراً لتعقيد آلية نمو الشعر وتداخله مع العديد من الوظائف الحيوية، فإن فهم أمراضه يتطلب فهماً متكاملاً للبنية الفسيولوجية للشعر، وأنواعه، وأسباب تساقطه أو تلفه، وطرق تشخيصه وعلاجه. ويغطي هذا المقال الموسع هذه المحاور بشكل علمي وعملي دقيق، لتقديم دليل متكامل يساعد على الوقاية والتعامل السليم مع أمراض الشعر المختلفة.

أولاً: البنية الفسيولوجية للشعر

يتكون الشعر من بروتين يُدعى الكيراتين، وهو نفس البروتين الموجود في الأظافر والطبقة الخارجية من الجلد. ينمو الشعر من جُريب (بصيلة) شعر موجود في طبقة الأدمة من الجلد. ويتألف كل شعرة من ثلاث طبقات:

• النخاع (Medulla): الطبقة الداخلية وهي غير موجودة دائماً في كل أنواع الشعر.

• القشرة (Cortex): الجزء الأوسط الذي يحتوي على الميلانين المسؤول عن لون الشعر.

• الطبقة الخارجية (Cuticle): طبقة رقيقة شفافة تحمي الشعر من العوامل الخارجية.

تمر الشعرة بدورة نمو تتكون من ثلاث مراحل:

1. مرحلة النمو (Anagen): وتستمر من 2 إلى 6 سنوات.

2. مرحلة الانتقال (Catagen): مرحلة مؤقتة تدوم بضعة أسابيع.

3. مرحلة السكون أو التساقط (Telogen): تدوم من 2 إلى 3 أشهر قبل سقوط الشعرة.

أي خلل في هذه الدورة يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في نمو الشعر أو تساقطه.

ثانياً: أنواع أمراض الشعر

1. الثعلبة (Alopecia)

أ‌- الثعلبة البقعية (Alopecia Areata):

مرض مناعي ذاتي يؤدي إلى فقدان الشعر في بقع دائرية صغيرة. يهاجم الجهاز المناعي بصيلات الشعر، مما يعيق نموه.

ب‌- الثعلبة الشاملة (Alopecia Universalis):

أخطر أنواع الثعلبة، حيث يفقد الشخص كل شعر جسده، بما في ذلك الرموش والحواجب.

ت‌- الثعلبة الأندروجينية:

وهي أكثر شيوعاً عند الرجال، وتُعرف أيضاً بالصلع الوراثي. تنتج عن حساسية بصيلات الشعر لهرمون ديهدروتستوستيرون (DHT).

2. التقصف وتكسر الشعر (Hair Shaft Disorders)

• الشعر الملتوي (Pili Torti): اضطراب نادر يؤدي إلى شعر هش ومتقصف.

• نخاع الشعر الهش (Trichorrhexis Nodosa): يتسبب في ظهور عقد على الشعر وتكسره عند أقل ضغط.

3. العدوى الفطرية والجرثومية

• السعفة (Tinea Capitis): عدوى فطرية تصيب فروة الرأس وتؤدي إلى تساقط الشعر في مناطق محددة مع وجود قشور وحكة.

• الدمامل والخراجات: نتيجة عدوى جرثومية في بصيلات الشعر.

4. التهابات فروة الرأس (Scalp Inflammation)

• التهاب الجلد الدهني: يسبب قشرة سميكة وحكة، وقد يؤدي إلى تساقط الشعر.

• الصدفية: مرض جلدي مزمن يسبب تراكم خلايا الجلد على فروة الرأس، ويصاحبه تساقط الشعر أحياناً.

5. تساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium)

يحدث نتيجة انتقال عدد كبير من الشعر إلى مرحلة السكون بسبب الضغط النفسي، الحمى، الحمل، أو تناول أدوية معينة. يؤدي إلى تساقط مفرط بعد شهرين إلى ثلاثة من السبب.

6. نتف الشعر القهري (Trichotillomania)

اضطراب نفسي يدفع المصاب إلى شدّ شعره بقوة حتى سقوطه، وقد يُحدث بقعاً خالية من الشعر يصعب التفريق بينها وبين الثعلبة البقعية.

7. أمراض الشعر الوراثية

• متلازمة منكس (Menkes Syndrome): مرض نادر يؤثر على استقلاب النحاس ويؤدي إلى شعر هش ومجعد بشكل غير طبيعي.

• مرض نوري (Netherton Syndrome): يترافق مع مشاكل جلدية حادة وشعر هش.

ثالثاً: أسباب أمراض الشعر

1. أسباب وراثية

تلعب الجينات دوراً رئيسياً في عدد من أمراض الشعر مثل الصلع الوراثي وأمراض الشعر الوراثية النادرة.

2. الاضطرابات الهرمونية

الاختلالات في الغدة الدرقية، تكيس المبايض، أو تغيرات الحمل تؤثر على دورة حياة الشعر.

3. سوء التغذية

نقص البروتين، الحديد، الزنك، فيتامين د، البيوتين وغيرها من العناصر يؤدي إلى ضعف بصيلات الشعر وتساقطه.

4. العوامل النفسية

التوتر، القلق، والاكتئاب، عوامل معروفة تسبب تساقط الشعر الكربي، أو تحفز اضطرابات مثل نتف الشعر القهري.

5. الأدوية والعلاجات الطبية

تشمل مضادات الاكتئاب، أدوية ضغط الدم، العلاج الكيميائي، وبعض مضادات الالتهاب.

6. الإجهاد الحراري أو الكيميائي

الاستخدام المفرط لأجهزة تصفيف الشعر الحرارية أو الصبغات الكيميائية يؤدي إلى إتلاف الطبقة الخارجية من الشعر.

7. أمراض مناعية مزمنة

مثل الذئبة الحمامية الجهازية والتصلب اللويحي، التي تؤثر على بنية الشعر أو فروة الرأس.

رابعاً: طرق التشخيص

يتم تشخيص أمراض الشعر من خلال خطوات منهجية تشمل:

• الفحص السريري: ملاحظة النمط والمناطق المصابة من الشعر.

• التحاليل المخبرية: تحليل الدم، فحص الغدة الدرقية، تحليل الحديد والفيتامينات.

• خزعة فروة الرأس: تستخدم في الحالات الصعبة أو المشبوهة لتحديد طبيعة المرض.

• التحليل المجهري للشعر: يفيد في تحديد أمراض جذع الشعرة مثل التقصف الوراثي.

خامساً: طرق العلاج

1. العلاج الدوائي

2. العلاج الموضعي والطبيعي

• الزيوت الطبيعية: مثل زيت الخروع، زيت جوز الهند، وزيت الأرغان لتعزيز الترطيب والكثافة.

• الوخز بالإبر الدقيقة (Microneedling): يحفز إنتاج الكولاجين وينشط بصيلات الشعر.

• علاجات البلازما الغنية بالصفائح (PRP): تستخدم دم المريض نفسه لتحفيز النمو.

3. العلاج النفسي

في حالات مثل نتف الشعر القهري، العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يعد فعالاً في تقليل السلوك القهري.

4. العلاج الجراحي

• زراعة الشعر: عملية يتم فيها نقل بصيلات شعر من منطقة غنية إلى أخرى فقيرة.

• إزالة الأنسجة التالفة: في بعض حالات التندب الشديد أو الإصابات.

5. التغذية الداعمة

يشمل ذلك اعتماد نظام غذائي غني بالبروتين، الحديد، الزنك، والفيتامينات الضرورية لنمو الشعر. يُوصى أيضاً بتجنب الوجبات السريعة والدهون المهدرجة.

سادساً: الوقاية والعناية بالشعر

• تجنب غسل الشعر بالماء الساخن.

• استخدام شامبو خفيف خالٍ من الكبريتات.

• تقليل استخدام الأجهزة الحرارية قدر الإمكان.

• قصّ أطراف الشعر بانتظام لتجنب التقصف.

• تدليك فروة الرأس لتحفيز الدورة الدموية.

• حماية الشعر من الشمس والكلور في المسابح.

سابعاً: التقدم في البحث العلمي حول أمراض الشعر

شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في مجال أبحاث الشعر، من أبرزها:

• التحفيز الضوئي باستخدام الليزر منخفض المستوى (LLLT): يعزز الدورة الدموية ويحفز البصيلات.

• العلاج بالخلايا الجذعية: يعتبر من العلاجات المستقبلية الواعدة في حالات الصلع الوراثي والثعلبة.

• العلاجات الجينية: تهدف إلى تعديل الجينات المسؤولة عن تلف البصيلات أو تساقط الشعر الوراثي.

المراجع

1. Dermatology: Bolognia, Jean L. et al., 4th Edition, Elsevier.

2. American Academy of Dermatology (aad.org) – Hair Loss Resources.